-A +A
علي بن غرسان (مكة المكرمة)
كشف مسح اجتماعي ميداني أجرته اللجان التنفيذية لتطوير الأحياء العشوائية أن جبل الشراشف من أكثر المناطق تعقيدا في العاصمة المقدسة، مبينا أنه يحتضن تكتلات سكانية مخالفة تنتمى لأكثر من 48 جنسية.


ويغص الجبل الذي تضاهي نفاياته خمسة أضعاف ما تفرزه المخططات السكنية النظامية في مكة المكرمة، بالعديد من التجاوزات «غير المألوفة»، كافتتاح عيادة أسنان على قارعة الطريق، فضلا عن تزويد المساكن التي تشيد في الظلام بالمياه والكهرباء بطرق مخالفة.
وعلى الرغم من أن الأمانة وسمت المنازل العالقة في الجبل بأرقام باللون الأحمر، دلالة على دخولها تحت مظلة مشروع التطوير، تمهيدا لإخلائها بعد ترقيمها باللون الأزرق، إلا أن عددا من المخالفين يواصلون البناء العشوائي في الجبل وعلى أملاك الغير غير عابئين بالإزالة التي في طريقها إليهم.
«عكاظ» عاشت الحياة في جبل الشراشف عن قرب ونبشت الكثير من الخفايا الذي يحفل بها الموقع المجاور للمسجد الحرام والمتاخم لجبل عمر، واكتشفت حجم التلوث البيئي الهائل في المكان، إضافة إلى تشييد أسواق ومتاجر بطرق غير مشروعة تروج العديد من السلع مجهولة المصدر.
وتبين أن الطريق الوحيد ينتهي عند منتصف الجبل الشاهق، ومن ثم يبدأ يضيق وتزداد تضاريسه قسوة، ما يجبر المركبات على التوقف ويكمل السكان النصف الآخر من الطريق سيرا على الأقدام.
واستغل عدد من الوافدين الحصار الذي تطبقه قسوة التضاريس على جبل الشراشف، وقلة المتاجر فيه، وزاولوا البيع بين الأزقة، مقدمين العديد من الأطعمة والمشروبات يأتي في مقدمتها «المنتو والفرموزا».
يقول البائع أمين عبدالرشيد نعد هذه الوجبات السريعة في المنازل ونخرج صبيحة كل يوم لبيعها حيث يتوافد علينا الأطفال والنساء بكثافة، وذلك لعدم وجود بدائل فالمحلات التجارية محدودة كلما صعدت نحو القمة، تجارتنا مربحة هنا.
وعلى الرغم من انتشار معلومات عن إزالة البيوت في جبل الشراشف، إلا أن العمالة المخالفة تخوض حراكا نشطا لتشييد مبان عشوائية، ففي ممر ضيق وقف عاملان يملآن كيسا بالرمل والخرسانة تمهيدا لبناء منزل مخالف.
وأوضح مالك الآسيوي أنه كان يسكن في منزل مستأجر لمدة طويلة قبل أن ينتقل إلى آخر عشوائي في أعلى الجبل، مبينا أنهم شيدوا المنزل على قطعة أرض دون علم صاحبها، وزودوه بالماء والكهرباء عبر تمديدات عشوائية.
وأسهمت العزلة التي يعانيها جبل الشراشف في ظهور تجاوزات نوعية غريبة قلما توجد في مناطق أخرى، تمثل ذلك في افتتاح الوافد عبدالحق عيادة في إحدى زوايا سوق الجبل، لتركيب الضروس والأسنان على قارعة الطريق وفي ظروف بدائية.
وأوضح عبدالحق لـ «عكاظ» أنه يلبي رغبات الزبائن، ويتقاضى ما بين خمسين إلى عشرين ريالا للسن الواحد، مبينا أنه يحظى بإقبال كثيف والمرضى يأتون إليه من خارج الجبل.
وذكر أنه أمضى في هذه المهنة أكثر من عشرة أعوام يعالج مشاكل الأسنان واللثة، ويحمل الإبتدائية فقط، ملمحا إلى أنه اكتسب الخبرة الكافية في المجال عبر الممارسة.
من جهته بين المواطن غازي منير الذي يقطن جبل الشراشف منذ ثلاثة عقود أنهم تمرسوا على قسوة التضاريس، مشيرا إلى أن أكثر ما يؤرقهم هو تحوله إلى ملاذ لمخالفي أنظمة العمل والإقامة، خصوصا مع توافر أسواق ومتاجر تلبي حاجتهم وتغنيهم عن الخروج منه.
وأفاد أنهم ينتظرون الإزالة، ملمحا إلى أن فرق الأمانة الميدانية رقمت منازلهم باللون الأحمر، وأخبرتهم أنه في حال طلاء البيوت باللون الأزرق فيعني ذلك ضرورة إخلائهم المساكن.
وعلى خط مواز، أقر مدير عام صحة البيئة في أمانة العاصمة المقدسة الدكتور محمد أمين هاشم الفوتاوي بوجود العديد من التجاوزات في جبل الشراشف منها سرقة المياه والكهرباء لتغذية المنازل العشوائية، فضلا إلى انتشار الأسواق والمحال التجارية المخالفة، مشيرا إلى أن المشكلة كبيرة ولا يمكن إغفالها، ولها جذور عميقة ناجمة عن التخلف.
وذكر الفوتاوي أن جبل الشراشف أحد أكبر المناطق السكانية احتضانا للمخالفين، لافتا إلى أن الجهات المختصة تبذل جهودا مضنية لإيجاد حلول له.
وقال: الحل الأمثل للقضاء على المشكلة، لابد أن يأتي عبر إزالة العشوائيات وتحويلها إلى مشاريع عقارية استثمارية تفيد مكة المكرمة وتسهم في تطوير البنية التحتية والعمرانية، مفيدا أنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال قطع إمدادات الخدمات عن الجبل خشية حدوث آثار بيئية سلبية.
واستغرب محاولة بعض المواطنين تقديم العون للمتخلفين، ما شجعهم على ارتكاب المزيد من المخالفات، موضحا أن أعمال النظافة والخدمات البلدية لجبل الشراشف الذي يغص بأعداد مهولة من المخالفين تحتاج إلى جهود مضاعفة وإمكانيات مادية وطاقات بشرية، خصوصا أن الإحصاءات تشير إلى أن مخلفات تلك المنطقة تضاهي خمسة أضعاف مخرجات المخططات السكنية في مكة المكرمة.
واقترح فوتاوي على الأجهزة المختصة وضع حلول مؤقتة للمشكلة باستحداث نقاط تفتيش لمدخل الجبل للحد من أعمال نقل البضائع المهربة إليه ليلا.